رواية سودانية: رمضان ولايات

بقلم: مآب صابر

جيت من السوق وكنت مرهقـــــة حرفياً.. تعب، لف، وزحمــــة.. وده بكوِّرِك “بجاي” وده هناك يصرُخ “الطماااطم.. الللف جننية.. الف جننييية.. تعال قرب قرب”، وواحد تاني يهتف “البطاطس البطاطس.. ألفين جنييية.. ألفين جنيه.. أي ألفين بسسس.. قرب قريب تلقى العجيب”، والمشهد كله جوووطة غريبة لكن عادي في السوق.

وصلت البيت، قلعت العباية، شطفت نفسي ورقدت.. نمت نوم عميييق وصحيت بعد العصر.. صليت ورتبت حاجات رمضان الجبتها، وبعدها غسلت كل الهدوم والعبايات عشان التراويح.

أنا غسق، بنت وحيدة عند أمي، عمري ٢٠ سنة، وعندي أخ واحد اسمو غسان، أكبر مني بـ٣ سنين، عمره ٢٣. أمي غادة، عمرها ٤٣، أحنّ خلق الله، صح شوية صعبة، لكن صحبتي وأختي قبل ما تكون أمي. أبوي محمد، المغترب في السعودية، عمره ٤٧، وهو حبيبي وصاحبي الشدييييد. نحن نازحين، بس ما حأذكر من أي ولاية، عشان ما ندخل في “الردح” ساااي.

المهم، بعد ما خلصت غسيل وتجهيزات، جهزت مسبحتي ومصحفي، سرحت شعري وقعدت.. فتحت التلفون لقيت الناس كلها مشغولة بتحضيرات رمضان. مشيت لقيت أمي بتنضف في البهارات والبليلة والعرديب والكركدي. شلت معاها، غسلت العرديب، كبيت فيهو ملح، وواصلنا في ترتيب البيت. بعد دا كلو، قعدت أحضر التلفزيون، أدمنت دعايات رمضان اللي بتفرح الواحد كده لا إرادياً.. ناس “فوانيس” حلوووين ياااخ.

قعدت أتفرج على برامج الطبخ ودعايات رامز، وعيوني بدت تتقل.. نمت، وأمي صحتني في نص الليل، لكن خلاص النوم كان مسيطر، مشيت الغرفة وكملت نومي بعمق.


أمي صحتني الصباح بدري مع صياح الديك، عشان نمشي السوق تاني، نجيب الخضار والفواكه. قمت اتسوكّت، صليت، شربت شاي سريع سريع وطلعت وأنا بنقنق تحت تحت، “عباياتي غسلتهم وكويتهم للتراويح، ياااخ ما دايرة أمشي بيهم السوق تاني”.

أمي: “سامعاكِ.. انتي حتمشي بيهم كلهم في يوم واااحد؟! اطلعي بس.”
أنا: “يا أمي، بس بحب يكونوا جاهزين.”
أمي: “بلا حب بلا تاني.. يلا، اللحمة دي بتخلص.”

طلعنا، ونفس الزحمة والجووطة.. لفينا السوق ما خلينا محل. وبعد ما شلنا حاجاتنا ورجعنا البيت، قبل ما ندخل جات خالتو صفية.. شافتنا ودي حكاية تانية.

خالتو صفية، أو بالأصح “صفية” زي ما بتحب الناس تناديها، عشان ما تبين إنها كبيرة.. دي ما شاء الله أسرع من قناة الحدث في نقل الأخبار.. جنها شمارات متحركة، تعلّق على كل شي، وعينها حااااارة، وما بتقول “ما شاء الله”.

خ. صفية: “كيفك يا غادة مع تجهيزات رمضان؟”
أمي غادة: “والله الحمد لله، انتو كيف؟ رمضان كريم، تصوموا وتفطروا على خير.”
خ. صفية: “والله تمام الحمد لله.. لكن، منو الزيك يختي؟ جاية من السوق وحاملة أكياس كأنها شيلة عرس؟! دي حاجات رمضان ولا زواج بتك؟ غااايتو، انتي مبذرة، ولا عشان راجلك مغترب؟! يختي، هسي في داعي للعنب والفراولة؟! في داعي للهرتق؟ مششششم محن.. يلا، فتك بعافية، أنا ماشة أكمل نضافتي.”

أمي بعد ما مشت: “أعوذ بكلمات الله من شر ما خلق.. خمسة وخميسة.. قل هو الله أحد.. حسبي الله ونعم الوكيل.. يلا، خشي خشي يا بت، الله يحفظنا.”
أنا: “المرة دي أصلاً ما بتكل، ما بتمل، وما بتفتر.. هسي خلاص حنكون حديث جبنتهم.. وسمعتيها قالت شنو؟! هرتق بدل الهوت دوق؟! اللهم لا تعولقنا ولا تخوزقنا.”

أمي: “غسق، تضحكي شنو؟ بت صفية دي عينها حااااارة.. ما قالت ‘ما شاء الله’ ولا مرة، وما بتخلي الناس في حالهم.. تعاين جوة كيس الزول وتعلّق.. قال راجلك مغترب.. ياخ رجلها بالكسر، لا عايزة تريحنا هنا، ولا غيرنا هناك.”
أنا: “يااااخ، روقي واهدي.. دا كلو عشان جابت سيرة راجلك، حبيب قلبك وقرة عينك؟!”
أمي: “غسق، اتلمي، خلينا نرتب الحاجات دي، رمضان بكرة.”


بعد ما رتبنا الحاجات، استحميت، مسكت تلفوني، قعدت أراسل الأهل والجيران والأصحاب.. بعدين رحت أرتب دولاب هدومي، وأخيراً تمددت، غمضت عيوني. فجأة، دخل غسان.

غسان: “غسق! يا بت هييي.. قومي!”
غسق: “أهااا؟! شنو ياااخ؟! الواحد عايز يرتاح بس..” (اتقلّبت للجهة التانية).
غسان: “أول حاجة، انتي ‘واحدة’ ما ‘واحد’، بعدين ترتاحي شنو؟ انتي أصلاً بتعملي شنو في اليوم؟!”

(يااااااااخ، الجملة دي بتستفزني! وأعتقد إنها بتستفز أغلب البنات.. ‘انتي بتعملي شنو؟!’)

قمت، عين مفتحة، عين مغمضة، وشعري واقف زي طاقية الكهرباء.

أنا: “يعني الما قعد أعملو شنو؟! وريني! بكنس، بمسح، بسعف، بغسل العدة، بغسل هدوم، بكوي، بساعد في الطبخ.. تاني شنو؟!”
غسان: “أنا بم…”
أنا: “لااا، قول لي.. انت بتعمل شنو؟! بتجي تلقى غرفتك مرتبة، هدومك مغسلة ومكوية، الأكل جاهز، تنوم وتصحى تشرب شاي وتطلع.. طيب، منو الرتب؟! منو الغسل؟! منو الكوى؟!”
غسان: “هيي، حيلك! ما تعملي فيها دور الضحية، ده اجتهاد شخصي منك.. أمي بتعمل الشاي، وميري بتجي كل جمعة تغسل وتكوي.. انتي بس حاجات خفيفة!”

أنا: “طيب، الليلة القهوة ب ‘شيبس برافو’، ما زي المرة الفاتت، عملت ليك وما جبت لي شي.”

غسان ضحك: “غاااايتو.. انتي مشكلة.”


#روايات_سودانية

اضغط هنا للانضمام لقروبات الواتس آب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى