رواية دقة قلب – الفصل الأول
بقلم: مها الزاكي
هي بت جيرانا، بيتهم قصاد بيتنا عديل، وأنا من زمان معجب بيها شديد، لكن لا هي ولا أي زول تاني حس بالحاجة دي. يمكن لأني زول ما بتكلم عن الحاجات البتعجبني، أو خليني أقول بحب أداري مشاعري. الناس العارفاني كووولهم متأكدين إنو الزواج ولا الحب عمرهم ما كانوا من اهتماماتي، لأني كنت شغال على روحي، حياتي كلها شغل في شغل، وبتهرب من المواضيع الزي دي.
لكن بطريقة ما، هي قدرت تخليني أفكر في حاجات كتيرة ما كنت مركز معاها. قدرت تبهرني، تخلي عيني تدور عليها، وتخليني أفتشها من غير ما ألاحظ. ما شدتني لا بخفتها ولا بشلاقتها، بالعكس، لفتت نظري بهدوئها، بأنوثتها، بكلامها القليل لكن الموزون. تحسها نقية زي حبات الندى، جميلة زي عقد لؤلؤ، مبهجة زي المطر لما ينزل في يوم سخانة. وهي… دقة قلبي الساكنة جواي.
صحيت الصباح زهجانة، راسي مصدع، والمزاج في الواطا، لكن مضطرة أنزل أقدم خدمة في المدرسة، وأخيراً حأتحرك بعد شهور من القعاد في البيت. أنا خريجة تربية، قسم تاريخ، جامعة الخرطوم، ساكنة في الشجرة جنوب الخرطوم. قمت متكاسلة، استحميت، اتسوّكت، صليت، وبعد داك جهزت نفسي.
لقيت أمي عملت لي الشاي، قلت ليها: “يا أمي كان ختيتيه، ما كنت بعملو أنا؟”
قالت لي: “ما مشكلة، بس اشربيه سريع عشان ما تتأخري.”
شربت سريع، شلت شنطتي، وطلعت. وقبل ما أتحرك، شفت عامر طالع من بيتهم. ما عارفة الحصل لي شنو، لكن فجأة حسّيت بأطرافي بردت، وقلبي ضرب لي ضربتين تقال. لمن شافني، ابتسم وقال لي: “صباح الخير.”
بتردد، رديت عليه: “صباح النور.”
قال لي: “ماشة وين؟ أديك مشوارك معاي؟”
توترت أكتر. كنت بين نارين: بين إني عايزاه يوصلني، وما عايزاهو يوصلني. قلت ليهو: “طريقنا ما واحد، أنا ماشة نوباتيا.”
ضحك وقال لي: “عرفتي كيف إنو ما واحد؟ أنا ذاتي ماشي نوباتيا، تعالي.”
وقفت لحظة مترددة، لكن في النهاية ركبت معاهو. أول ما تحركنا، سألني: “نزلتي خدمة ولا شنو؟”
قلت ليهو: “يادوب، ماشه أشوف موضوعها.”
قال لي: “مالك مشيتي بعيد؟ المدارس القريبة هنا كان أحسن ليك، بتريحك من المواصلات.”
قلت ليهو: “فعلاً، بس صحبتي برضها حتنزل خدمة هناك، وهي الإقترحت علي ننزل سوا في نفس المدرسة.”
قال لي: “أها، تمام.”
سكتنا. أنا بصعوبة كنت بتكلم معاهو. وجوده قدامي بخليني أتوتر بطريقة غريبة، بحس إنو في حاجة غالية عندي ممكن تضيع. ولا قدرت حتى أرفع عيني وأعاين ليهو. ما عارفة دي هبالة مني ولا شنو، لكن قلبي كان بيدق بطريقة غريبة.
رن تلفوني، ياسمين صاحبيتي، سألتني: “اتحركتي ولا لسه؟”
بصوت واطي شديد، قلت ليها: “في الطريق.”
قالت لي: “مالك صوتك واطي كدا؟”
يعني أعلي صوتي كيف وعامر قاعد جنبي؟ قلت ليكم ما بعرف الحصل لي شنو لما أكون معاهو. قفلت الخط، وكتبت ليها رسالة:
“في الطريق، وصفيني المدرسة تاني، نسيت والله. 😅 وياريت بالرسالة، ما تتصلي علي كويس؟”
ردت لي:
“عندك زهايمر ولا شنو؟ مهااا، امبارح وصفت ليك المدرسة! طيب، بعد ما تنزلي في (…)، أمشي طويل، بعدين يمين في شمال، بعد داك حتلقى مركز صحي، المدرسة يمين المركز الصحي، لونها أخضر فاتح شرق.”
قريت الوصف مرتين وثلاثة، لكن أكتر حاجة لخبطتني: يمين في شمال! دي كيف؟! أنا عارفة الشرق والغرب، لكن يمين المركز الصحي؟! المركز عندو يد يمين؟!
رسلت ليها:
“يمين المركز الصحي دا شنو كمان؟ وصفي لي بالإتجاهات المعروفة ديك بالله!”
ردت بي ضحك وقالت لي:
“😂😂😂 أحسن أرسل ليك اللوكيشن عديل.”
قلت ليها: “طيب.”
أخيراً رسلت لي اللوكيشن، لكن عامر فجأة قال: “مها؟”
اتخلعت وقلت ليهو: “ها؟!”
قال لي: “من قبيل بتكلم معاك، وإنتي ساكتة ماسكة تلفونك.”
بلعت ريقي وقلت ليهو: “معليش، ما ركزت، قلت لي شنو؟”
قال لي: “المدرسة وين؟ لأنو خلاص وصلنا نوباتيا.”
قلت ليهو بسرعة: “لا لا، مافي داعي توصلني لحدي المدرسة، ما عايزة أعطلك.”
قال لي: “مافي تعطيل، بس قولي لي في أي حتة.”
مديت ليهو التلفون ساي، عاين في اللوكيشن، رجّعو لي وقال: “بعرف المدرسة دي.” وصلني لحدي باب المدرسة وقال لي: “بالتوفيق.”
نزلت بسرعة وقلت ليهو: “شكراً”، ومشيت بدون حتى ما أعاين وراي.
قلبي كان بدق بقوة، شعرت بيهو في صدري كأنو عايز يطلع برا. دخلت المدرسة، واتصلت بياسمين، قلت ليها: “وصلت، إنتي وين؟”
ضحكت وقالت لي: “الحمد لله على السلامة!”
رجعت البيت الظهر، صليت، وسويت الجبنة لأمي وأبوي، فجأة أخوي سراج دخل وقال لي: “عامر جاييني، خلي الجبنة بعد ما يجي.”
بسم الله! قلبي عمل “شحححح” وطشيت شبكة! اسمو بس بخليني أفقد المنطق، فما بالك بيهو واقف قدامي؟!
سمعت صوت الباب بعد شوية، قعدت أعاين بالشباك، شفت عامر داخل مع سراج، سلموا على بعض ودخلوا المظلة. فجأة، صوت سراج ناداني: “مها، عملي الجبنة بعد دا.”
اتجاهلتو، لكن عاد الكلام تاني. بلعت ريقي وقلت ليهو بصوت عالي شوية عشان أسمعو: “طيب.”
جهزت الجبنة، لكن مستحيل أوديها ليهم! يا ربي، منو ينادي سراج عشان يشيلها؟!
أمي جات وشافتني واقفة، قالت لي: “الجبنة دي بتبرد، وديها ليهم، واقفة تسوي شنو؟”
قلت ليها: “ماشي أصلّي، وديها معاكي!”
قالت لي: “يا زولة، مالك؟ في زول غريب معاهم؟”
قلت ليها: “لا.”
نظرت لي بطريقة فهمت منها إنو شكت في حاجة. عشان أنهي الموضوع، شلت الصينية وقلت ليها: “الزول لو كسر رجلو، مافي زول بحن عليه. رجلي من امبارح واجعاني، مافي زول حس بي.”
أخدت نفس، وقبل ما أدخل المظلة، حسيت قلبي بيدق بقوة، رجليني بتطاقش، ومشيتي بقت غريبة. وصلت الباب، وقفت شوية، وأخدت نفس، دخلت سريع، ختيت الصينية على التربيزة، وطلعت بدون ما أعاين لي زول.
سمعت سراج يقول: “بسم الله، دي مالا؟”
☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
#روايات_سودانية