تيسير عووضة: رأيي في عبد العزيز الحلو لم يتغير وهذه قراءة بين السطور
آفاق الإخبارية - مقالات

عبد العزيز الحلو: “لم نوقّع بعد، لكننا نتحرك نحو الاتفاق التأسيسي”
حتى اللحظة، لا دستور — لكنها خطوات، خطوات نحو اتفاق يمكن أن يشكل مخرجًا من حالة الانسداد. هكذا تحدث عبد العزيز الحلو في لقائه مع سكاي نيوز عربية، بهدوئه المعتاد، وعباراته الدقيقة، ومفرداته التي اختارها بعناية لتكون جسراً، لا قيدًا، في هذا المشهد السوداني المربك.
🔹 الحلو.. رؤية منظمة، خطاب متماسك
أمس، استمعت للقاء كاملًا. والحقيقة، وبعد سنوات طويلة من متابعة مواقفه، رأيي فيه لم يتغير: رجل متسق مع نفسه، لديه رؤية واضحة ومترابطة، قد نختلف في الوسيلة، لكن الهدف؟ إخراج السودان من هذه الدوامة التي يبدو أنها بلا نهاية..
أكثر ما يلفتني في حديث الحلو هو إحساسه العميق بمسؤولية ما يفعل. لم يتحدث عن حكومة موازية، لم يدعُ لانفصال جديد، لم يلوّح بالعنف، بل كرر مفردات: “السلام الدائم، الوحدة العادلة، حل يشمل الجميع.” هذا ليس خطابًا يائسًا، بل خطاب قائد يدرك أن خياراته حساسة وأن خطوته قد تكسر حالة الجمود التي نعيشها.
🔹 خطوة تكتيكية أم ضرورة؟
قراءة الوثيقة التأسيسية والاستماع للحلو جعلتني أفهم دوافعه أكثر. هذه ليست مناورة سياسية، وليست محاولة للتموضع في مشهد مضطرب. بل تبدو لي خطوة جريئة في توقيت حرج، ليس لخلق استقطاب جديد، بل لمنع انقسام أكبر. الرجل تحدث بمرارة عن انفصال الجنوب، ويمكن لأي مستمع أن يلمس في صوته أنه لا يريد لهذا السيناريو أن يتكرر، بل يسعى لتفاديه بأي ثمن.
لكن دعونا نكون صريحين، هذه الخطوة أيضًا ورقة ضغط على سلطة بورتسودان، وهي تغير كبير في المعادلة العسكرية والسياسية الآن. فبدلًا من الانجرار لخطاب “الحكومة الشرعية مقابل الحكومة الموازية”، الحلو يعيد رسم الخطوط: حكومة واحدة، لكن بأسس جديدة.
🔹 الواقعية السياسية.. ورسالة لبرهان
أحد أكثر الأجزاء المثيرة في حديثه كان تفسيره لاستخدام كلمة الرفيق في مخاطبته لحميدتي. تفسير براغماتي جدًا، يصلح أن يكون درسًا في مرونة التحالفات. لا ولاءات مطلقة، لا عداءات أبدية. السياسة في السودان متحركة، والحلو يعرف ذلك تمامًا.
أما حديثه عن البرهان؟ دعوة واضحة وصريحة للتفاوض. ليس مرة واحدة، بل مرتين كررها. الرجل يؤمن بأن الحل شامل، لا يستثني أحدًا، وهذه نقطة تُحسب له. لكنه أيضًا نفى أي حديث عن تحالف عسكري مع الجيش ضد الدعم السريع، قاطعًا الطريق على كثير من التأويلات.
🔹 “الإسلاميون هم العائق”؟
بين السطور، ومن خلال شواهد عدة، بدا وكأن الحلو يريد أن يقول شيئًا دون أن يقوله مباشرة: المشكلة ليست في البرهان، ولا في حمدوك، فكلاهما جلس معه واتفق معه على فصل الدين عن الدولة، لكن في كل مرة، هناك جهة ما تعرقل الطريق. والإشارة هنا واضحة جدًا لمن يريد أن يفهم.
وأنا، كمواطنة متضررة، أقولها بوضوح: البرهان، إن كنت جادًا في الخروج من هذا المستنقع، فك ارتباطك بالإسلاميين، الآن وليس غدًا. المهلة الطويلة ليست في صالحك، وستُترك وحيدًا في النهاية.
🔹 لا جيش جديد.. ولا “هرطقة” التسليح
أما فيما يخص دمج الجيوش، فقد كان موقفه واضحًا: لا اتجاه حاليًا لتكوين جيش جديد يضم الدعم السريع والحركات المسلحة. كل قوة تدافع عن مناطق سيطرتها، دون هجوم متبادل، لكن إن تحقق السلام الدائم، فسيتم بناء جيش وطني جديد، يضم الجميع، بما في ذلك الجيش السوداني الحالي. هذه رؤية عقلانية، أقل ما يقال عنها إنها أكثر واقعية من كل الخطابات الطوباوية التي نسمعها يوميًا.
وفي المقابل، لم يتطرق الحلو لمسألة شراء الطيران أو التسليح، ولم يدخل في “هرطقة” مستشاري الدعم السريع الذين يتحدثون عن بناء جيش جوّي من العدم بين ليلة وضحاها. الحديث كان مسؤولًا، متزنًا، واعيًا لما هو ممكن وما هو غير ممكن.
🔹 ما بعد الجمود؟
بقدر دهشتي يوم رأيت الحلو في نيروبي قبل سنوات، بقدر احترامي له اليوم. هذه الخطوة قد تكسر حالة الستالمَيت التي نعيشها. لا أميل للحلول الصفرية، ولم أؤمن يومًا بأن هناك حلًا عسكريًا للسودان. حتى لو استعاد الجيش السيطرة، فالحل السياسي لا مفر منه. لا أحد سيخرج من هذه الحرب منتصرًا بالكامل، والجميع سيضطر للجلوس على طاولة واحدة في النهاية.
لذلك، وبكل وضوح، لا حل إلا حلًا سياسيًا، مهما بدا الطريق إليه شائكًا.
🛑 ملاحظة أخيرة.. عن العلمانية وتقرير المصير
هناك نقطة واحدة لديّ حول موقف الحلو من ربط العلمانية بتقرير المصير، وهي نقطة لي معها نقاش طويل، سأفرد لها بوستًا خاصًا لاحقًا. لكن الآن، لنترك ذلك جانبًا، فالوقت وقت الخروج من الحرب، لا وقت لتفكيك التفاصيل.