وساطة أردوغان بين الصومال وإثيوبيا [إعلان أنقرة]

تيسير عوضة
تيسير عوضة

تابعنا قبل يومين خبر الوساطة اللي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتسفر عن إتفاق مصالحة وصف بالـ ‘التاريخي’ بعد توترات وتصعيد وصل حد الإعدادات العسكرية والتهديدات المبطنة المتبادلة، خصوصاً بعد دخول مصر على الخط ودعمها الدبلوماسي والعسكري للصومال فيما اعتبر إنتهاكاً لسيادتها ووحدة أراضيها بعد مذكرة التفاهم اللي عملتها إثيوبيا الحبيسة مع إقليم أرض الصومال الإنفصالي للحصول على منفذ بحري وقاعدة عسكرية (بوستات مفصلة ومطولة كتبتها حول الموضوع ح أرفق روابطها أول تعليق)

في البداية لازم نشير لحقيقة أن التوسط التركي بين الصومال وإثيوبيا بدأ من يونيو الفات وانعقدت جولة أولى واتفقوا على التهدئة تلتها جولة تانية في منتصف أغسطس على أمل يكون في جولة أخيرة يطلعوا منها بإتفاق، فشلت جهود التهدئة التركية وقتها بسبب تزامنها مع التحرك العسكري المصري وعمليات نقل الأسلحة للصومال على خلفية تفاهمات متواصلة مع مصر نتج عنها توقيع إتفاقية دفاع مشترك بين مصر والصومال مما أغضب الجانب الإثيوبي واعتبرو تهديد مصري مباشر ليهو

رغم التحركات والتهديدات لكن كان من الواضح لأي مراقب إنها تهديدات على سبيل الردع فقط فلا قدرة لأي من الأطراف التلاتة الصومال ومصر من جهة وإثيوبيا من جهة على إشعال أي صراع عسكري في التوقيت دا وذكرت النقطة دي كذا مرة في البوستات السابقة

بعدها حصلت تلاتة أحداث هامة غيرت موازين اللعبة وأرجعت الدور التركي للواجهة مرة تانية والأحداث دي على التوالي حسب الترتيب الزمني:

– إنتخابات صومالي لاند الرئاسية اللي نتج عنها فوز المرشح المعارض (ما نفس الزول اللي عمل مذكرة التفاهم مع إثيوبيا) الرئيس الجديد المنتخب يبدو إنو ما كان متحمس لحكاية منح منفذ بحري لإثيوبيا دي وشايف ومتابع إنها حتخلق صراعات وتوترات في المنطقة وهي في غنى عنها فشكلو نط منها خصوصاً أنها غير ملزمة قانونياً له

– الحدث التاني كان الأخبار الطلعت عن نية ترمب الإعتراف بصومالي لاند مقابل قاعدة بحرية تمنح لأمريكا/ازراييل بدل إثيوبيا مما شكل عامل ضغط على آبي خلاهو يقبل بالتفاوض بدل يخسر كل شي
(لتفاصيل أوفى عن اعتراف ترمب ارجعوا لآخر بوست بنفس الخصوص)

– الحدث التالت كان الإسقاط السريع والمفاجئ للرئيس السوري بشار الأسد بتدبير أمريكي وتنفيذ تركي بارع، العملتو المخابرات التركية بتوجيه مباشر من أردوغان في سوريا والإطاحة بتلاتة مهددات رئيسية لأمريكا في سوريا/الشرق الأوسط (الأسد وايران وروسيا) رفع أسهم أردوغان جداً لدى الأمريكان عموماً >> كما نعلم دا ما شغل بايدن وجماعتو لوحدو ولا ترمب وجماعتو لوحدو القصة داخلة فيها CIA وأمن قومي وازراييل ووو)

المهم أردوغان – بالإضافة لحقيقة إنو صاحب مصلحة أساسية في سوريا – نفذ المطلوب بدون أي خسائر بشرية أو عسكرية تذكر مما أهّله للقيام بمهمة أخرى تتطلب كذلك قدر عالي من الحصافة وهي تهدئة الأوضاع في القرن الأفريقي بين الصومال وإثيوبيا، وبرضو تركيا صاحبة مصلحة أساسية هناك بسبب استثماراتها الكبيرة لدى البلدين إقتصادياً وعسكرياً فرجع أردوغان تاني لفتح ملف الوساطة اللي كان قد تم ركنه على جنب بسبب التصعيد العسكري المصري ونجح للمرة التانية في إنجاز المهمة بسرعة وبراعة فاجأت الجميع بما فيهم أصحاب الشأن أنفسهم!

أردوغان جاب كل طرف وقعد معاهو بصورة منفصلة ووفق بين وجهات النظر وتفهم مخاوف/دوافع الطرفين وبغدها قعدهم مع بعض والشغل تم

الإتفاقية [إعلان أنقرة] نصت على خفض التصعيد العسكري بين الصومال وإثيوبيا وطرح النزاع والخلاف جانباً والتفاهم على إحترام السيادة الصومالية الكاملة على أراضيها مع إقامة منفذ بحري للأغراض التجارية والمدنية لإثيوبيا ووضع إطار زمني للتنفيذ التشاورات الفنية تبدأ بنهاية فبراير ٢٠٢٥ والخروج بإتفاق كامل خلال أربعة شهور كحد أقصى يعني بنهاية يونيو ٢٠٢٥ يكون الإتفاق الرسمي خرج للعلن

📌 ملاحظاتي على إعلان أنقرة:

١. الإتفاق المبدئي على سيادة الصومال على أراضيه يتعارض مع الإعتراف المحتمل لأمريكا بصومالي لاند وإقامة قاعدة عسكرية هناك

٢. الإعلان ما أشار لإمكانية حصول إثيوبيا على قاعدة عسكرية ضمن المساحة الممنوحة لها

٣. الإعلان ما أشار لمكان المنفذ هل سيكون في الصومال الأم أم صومالي لاند أم مكان آخر جيبوتي مثلاً كما إقترحت هي نفسها ورفض آبي لأنها اشترطت منفذ بدون قاعدة عسكرية

عموماً بنود وتفاصيل الإتفاق غير معلنة وقد تكون غطت الملاحظات أعلاه بس نحن ما عارفين

⚠️ نجي لنقطة أخيرة:

ماذا عن الدور المصري؟ وهل تركيا قصّت لمصر؟

في الحقيقة الدورين التركي والمصري كانوا ماشين بالتوازي من لحظة إندلاع الخلاف في يناير الفات بالنظر لإنهم الإتنين أصحاب مصلحة مباشرة في الصومال وإثيوبيا مع إختلاف نوعي:

▪️ تركيا إتخذت مسار دبلوماسي تفاوضي ساعدها عليه علاقتها الممتازة بالطرفين الصومالي والإثيوبي وإرتباطها معهم بإستثمارات إقتصادية وعسكرية ضخمة زي ما ذكرت فوق وتنقيب نفط وتواجد أسطول بحري تركي في سواحل الصومال بالإضافة لإستثمارها في سد النهضة وبيع البيرقدار لإثيوبيا

تركيا عندها مليارات الدولات مستثمرة في شكل مشاريع بنية تحتية في البلدين وتدخلها هنا مبرر ومفهوم تماماً ويهمها أن يحل الخلاف سياسياً/دبلوماسياً لا عسكرياً حتى لا تتضرر مصالحها في البلدين وتخسر هي كمان ودي نقطة لصالح تركيا أكسبتها مصداقية الطرفين ودا كان سبب نجاح جهودها

▪️مصر فضلت المسار العسكري والإستخباراتي لطبيعة العلاقة الشائكة جداً بينها وبين إثيوبيا بسبب سد النهضة وتهديده للأمن المائي والقومي لمصر حيث بدأت بمحاصرة إثيوبيا بإتفاقيات دفاع مشترك بينها وبين الدول المجاورة لإثيوبيا وذات حدود مباشرة معها زي إريتريا والصومال الأم والسودان (إتفاقية موجودة أصلاً)

صاحَب التحرك الإستخباراتي الدفاعي دا تحرك عسكري على الأرض بتنسيق بين الرئيس المصري والصومالي تم على ضوئه نقل معدات وآليات عسكرية من مصر للصومال بالإضافة لإعلان مصر عن مشاركتها بجنود في بعثة حفظ السلام التابعة للإتحاد الأفريقي في الصومال

التحركات المصرية بدت منحازة بالكامل لجانب الصومال الأم وإن كانت محقة لكنها ستقيد محاولات التوصل لحل سياسي مع إثيوبيا أو بالبلدي كدا مصر استثمرت خلاف الصومال مع إثيوبيا وتحركت لحل مشكلتها هي

عموماً برأيي دولة الصومال لا تزال تحتاج للدور التركي الدبلوماسي المحايد وللدور العسكري المصري المنحاز لصفها، ويمكن استخدامه كأداة ردع لإثيوبيا عند الحوجة (ردع ربما لن تستطيع تركيا أن تمارسه لتضارب المصالح زي ما قلنا)

الإحتفاظ بالدور التركي والدور المصري بنظري ذكاء وبراغماتية سياسية مطلوبة والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يستحق الإعجاب عليها!

اضغط هنا للانضمام لقروبات الواتس آب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى